2023/12/20
بقلم م. أنس الخلف
مدة القراءة: 4 دقائق
ما هو التفكير المنظومي؟
في عام 1966، لاحظ كارل بوبر فيلسوف العلوم أن المشاكل تنقسم إلى نوعين: ساعات وغيوم. الساعات هي المشاكل التي تتميز بالبساطة والحدود والقابلية للتنبؤ والتحكم. أما الغيوم فهي المشاكل التي تتسم بالتعقيد واللامحدودية والتغير والصعوبة. ويسمى هذا النوع من المشاكل أحياناً بالمشاكل المركبة. عند مواجهة مشكلة من نوع الساعة، يمكن تحديد المشكلة وحلها بوضوح وسهولة. وهناك أيضاً طرق مجربة وموثوقة لإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح. مثل علاج مرض محدد في مكان معين. ولكن عند التعامل مع مشكلة من نوع الغيمة، لا يوجد حل بسيط أو واضح. بل قد تكون المشكلة نفسها غامضة ومتشابكة مع قضايا أخرى متعددة ومتنوعة مثل التعليم والثقافة والاقتصاد وغيرها. وعند محاولة حل مشكلة مركبة، قد يؤدي حل جانب منها إلى إظهار مشكلة أخرى، ربما تكون أصعب. وفي معظم الأحيان، لا يوجد حل مثالي لمشكلة مركبة، بل هناك حلول متعددة ومتناغمة تسهم في التقليل من حدتها.
ماهي المنظومات في السياق الاجتماعي والعملي؟
عندما نتحدث عن “المنظومات” فإننا نقصد بذلك مجموعة من المكونات أو العناصر التي تتفاعل مع بعضها البعض داخل إطار معين لتحقيق هدف أو وظيفة محددة. هذه المكونات قد تشمل الأشخاص، السياسات، الأنظمة، الإجراءات، المنظمات وغيرها من العناصر التي تعمل معًا لتحقيق الوظيفة العامة للمنظومة.
فعلى سبيل المثال منظومة الصحة تتكون من جميع العناصر المتعلقة بتقديم الرعاية الصحية، بما في ذلك المستشفيات، والعيادات، والأطباء، والممرضين، والسياسات الصحية، وبرامج الوقاية والعلاج.
ومنظومة التعليم تضم كل ما يتعلق بتقديم التعليم وتطويره، بدءً من المدارس والمعلمين وصولًا إلى الطلاب والمناهج والسياسات التعليمية.
بصورة عامة، تُستخدم كلمة “منظومة” لوصف كيفية تنظيم وتفاعل مكونات معينة داخل إطار محدد لتحقيق وظيفة أو هدف معين. إذا تجاهلنا المنظومة التي تحيط بالمشكلة المركبة، فسنقع في فخ “الإصلاحات التي تفشل”. وهذه الفشلات تظهر بثلاثة أوجه عادة:
- نتعامل مع نفس المشاكل مراراً وتكراراً، دون أن نصل إلى حل جذري. مثل عندما يفشل نظام التعليم في تأهيل قوى عاملة تستطيع الاندماج في سوق العمل رغم كل الجهود التنموية.
- نحل جزءاً من المشكلة، ونجد أننا قد أسأنا الأمور في جزء آخر. مثل عندما تؤدي برامج التمويل المتناهي الصغر في بعض البلدان إلى زيادة العنف المنزلي ضد النساء اللواتي حصلن على القروض.
- نتدخل بنية طيبة، ونجعل الوضع أسوأ. مثل عندما تضر برامج المعونة الغذائية بالاقتصادات المحلية، وتقلل من الإنتاجية الزراعية وأسعار السلع الأساسية وفرص العمل للسكان المحليين.
تحليل المنظومات هو أسلوب للتعامل مع المشاكل المركبة في البيئات المعقدة، بهدف تحقيق تأثير اجتماعي مستدام وواسع النطاق. يمكننا الإجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية بالتفكير المنظومي:
- كيف تتفاعل البيئة التي نعمل فيها كمنظومة حية ومتغيرة؟
- كيف نتواصل مع المنظومة لإحداث تأثير شامل؟
- كيف نختبر فرضياتنا عن طريقة عمل المنظومة لنتعلم ونتكيف بكفاءة؟
ماهي عناصر المنظومات؟
عندما نواجه منظومات اجتماعية مركبة، فإننا نتحدث عن أشياء غير ملموسة. هذه المنظومات المعقدة مكونة من قوى متصلة تتأثر ببعضها البعض. وبحسب دونيلا ميدوز، الخبيرة في التفكير المنظومي، فإن كل منظومة تحتوي على 3 أجزاء:
- العناصر: هي القوى المتنوعة التي تشكل المنظومة.
- العلاقات: هي الروابط أو السرديات التي تربط عناصر المنظومة ببعضها. والمهم أن نعرف أن تحديد كل العناصر في المنظومة أقل أهمية من متابعة الارتباط بينها.
- الأهداف: هي الجزء الأصعب. كما تقول ميدوز: “الأهداف تنبثق من السلوك، وليس من التصريحات … ليست الأهداف ما يريده أي فاعل في المنظومة، بل هي نتيجة السلوكيات في المنظومة. وفي الحقيقة، أحد الأمور المحبطة في المنظومات هو أن أهداف العناصر الفرعية قد تؤدي إلى سلوك عام لا يرغب به أحد في المنظومة”.
في المقالة القادمة سنوضح أساليب رسم خرائط المنظومات والتي تساعد على بناء تصور بصري للمنظومة يسهل عملية التحليل وتحديد فرص التدخلات على مستوى المنظومة.